ناجى السنباطى
عزبة بابا قصة قصيرة بقلم ناجى السنباطى
نشرت بمجلة صوت السرو المطبوعة فى عدد ينايرعام 2001
بالأمس رأيت الطفل يبكي قال " ماء" وفي الخليج قال " بترول " وفي فلسطين قال الطفل " حجر " وفي مارينا قال الطفل " بيجي بيتش " وفي حينا قال " جوع " وفي حيهم قال " تخمة " و مرت الأيام وكبر الطفل وكبرت مطالبه !! أدخله والده المدرسة الأمريكية وتعلم اللغات وشغل البكوات والثلاث ورقات موضة العصر ... وكان معه رفقة من التلاميذ ، آباؤهم من الطبقة الجديدة التي تملك الجاه والمال بعد شظف العيش ... تصرفوا بمالهم الذى هو ليس بمالهم !! وتكلموا بما لهم وأكملوا العدة بالأبهة والجاه .. ولكن سلوكهم مازال سلوك ماض عاشوه ... وطويت الأيام عمرا آخر من الزمان وكبر الأولاد في هذا الجو الجديد ولم يعلم الأبناء شظف عيش الآباء !! وكيف يعرفون وقد عاشوا في راحة من العيش وتعلموا في أرقي المدارس .. كيف يعرفون ؟! لكن الآباء يعرفون وإن حاولوا أن ينسوا ، تأتي لحظات شرود يتذكرون الماضي بكل ما فيه !! ولكنها لحظات قليلة ، سرعان ماينسون أو يتناسون بإغراق أنفسهم في الكثير من الصفقات وفي الكثير من رغد العيش !! يتناسون كيف كانوا !! ؟ .. وكيف أصبحوا !! ؟ .. وماذا عن المستقبل وما يخفيه لكن الأولاد لا يعلمون السر وماأخفى ، وكل ما يعلمونه " أنهم طبقة اليوم وطبقة السادة وليس طبقة العبيد فهى من عهود مضت ، فلديهم العزب كل حسب حجمه وحسب وزنه وحسب مركزه ولديهم المزارع كل حسب رغبته وكل حسب قربه وكل حسب مستواه !! ولديهم من الخدم ومن الحشم الكثير ولديهم العديد من السيارات ، ذات العيون !! وذات الرموش !! وذات الحواجب !!وذات الخواتم !!.. لديهم الصحبة ولديهم الألقاب .. ميمي مرسيدس ، وجيمي وساطة ، علوي عمولة ، شادي مكرونة ، كل لقب يحمل مهنة والده ، مصطلحات ما أنزل الله بها من سلطان !! ولديهم القصور والثغور والطائرات واليخوت والشاليهات على البحور ويسعون للمزيد ولا يفرقون بين مالهم ومال الناس ، إفرازات مجتمع جديد !!!
علي الجانب الآخر شباب درس بمدارس الحكومة وجامعات الحكومة.. صغار حتي كبروا ومنهم من درس علم الحياة وتجاربها.. ألقابهم تنبئ عن واقعهم المملوء بالآلام والأشواك .. لا لقاء ولا إلتقاء بين هذه الجماعة الثرية وتلك الجماعة الفقرية رغم أنها الأكثرية !!! ولا لقاء بين طفل الأمس الذي إعتقد أن كل ما يملكه أبوه هو بالضرورة ملكه!!، ولم يبحث في كيفية الملك وكيف جاء !! ولا إلتقاء بطفل الأمس من الجماعة الأخرى الذي إعتقد أن هذا واقعه ولا مفر منه !! سادة وعبيد هكذا هي الحياة وما كانوا بسادة إلا بالصدفة وعبيد وما كانو بعبيد !! ولكنها طبيعة الأيام .. تداول المركز وصعود وهبوط القوي ... ومازالت الحياة مستمرة ودوارة .. لا تبقي الحال علي ما كان عليه ، فتصعد طبقات إلي دنيا المال وإلي دنيا السلطة وتهبط طبقات فوق طبقات إلي دنيا الفقر وإلي دنيا الضعف !! وحركة الصعود والهبوط لاتخضع لمعيار عادل وصادق وإنما لمعيار الصعود لقلة فوق جثث الآخرين ومااكثرهم !!
ومازالت أصوات الصغار وأصوات الكبار .. تعلن بمذلة هذا كوخ أسرتي وهذا حالنا وقد يتبرأ !!! والأخر يعلن هذا قصر أبي وهذا مصنع أبي وهذا مركز أبي وهذه عزبة بابي !! ولما رأينا القصر رأيناه قصرنا و لما رأينا المصنع وجدناه مصنعنا ولما وجدنا العزبة وجدناها عزبتنا جميعا ولكنهم نسوا ولم ننس ولن ننسى !! وأخشى ما نخشاه أن يحسبونا عبيد سلطا نهم وآبائهم وخدام عزبهم .. وملبين أوامرهم .. وكنا السادة ومازلنا وكنا اصحاب السلطان ومازلنا .. ولنا حق فى تخوفنا فطفلهم الجديد يصرخ منتشيا !!! عزبة بابا !!
هناك تعليقان (2):
نجم النجوم ياولد يابن البلد
عاشت يداك وقلمك الى الابد
شعر وصحافه وقصه يابن العمد
خلق وطيبه وتواضع فليل لوجدفى احد
اخوك علاء بدويه ابو عبدالرحمن
شكرا اخى علاء على كريم صنيعك وكلماتك الشاعرية وانت الشاعر الفحل وشكرا مرة اخرى واتمنى ان نراك ان لم تشغلك المشاغل
إرسال تعليق